إخلاص شدود ـ دبي – الرؤية

تعطل 6 تحديات رئيسة إثبات الجريمة الإلكترونية، وذلك بسبب غياب الدليل الجنائي وصعوبة تتبع المتهمين عبر قدرتهم على إخفاء أي أثبات يؤكد تورطهم بالقضية أو وجودهم خارج حدود الدولة.

وحدد رجال شرطة وقانون تلك التحديات بعدم وجود قوانين تحمي البيانات الشخصية لمستخدمي شبكة الإنترنت عالمياً، وثانياً غياب القواعد الإجرائية الخاصة للتعامل مع الجريمة الإلكترونية، إذ تشبه الإجراءات الشرطية في هذا النوع من الجرائم نظيرتها التقليدية، وهو أمر لا ينسجم مع طبيعة الجريمة الإلكترونية، ويتمثل التحدي الثالث في غياب التزام الشركات المزودة لخدمات التواصل الاجتماعي بتوفير تسهيلات للجهات القضائية بهدف الحصول على معلومات وبيانات تخص المتهمين، أما التحدي الرابع فيخص ضعف التنسيق الدولي بسبب عدم وجود قوانين تخص الجريمة الإلكترونية في بعض الدول وطرق التعامل معها أو تجريمها.

وركزوا على تحدٍّ يرتبط بالأوضاع المتوترة في بعض الدول، ما أفرز زيادة في هذا النوع من الجريمة العابرة للحدود مع عدم إمكانية ملاحقة أصحابها، خصوصاً في القضايا المالية والمتعلقة بالابتزاز والتشهير والاحتيال، أما التحدي السادس والأخير فيتمثل بالتطور السريع والمستمر للتقنيات الحديثة، ما يجعل ضبط المتهمين وإثبات إدانتهم، خصوصاً المحترفين تقنياً، أمراً صعباً.

وحدد قانونيون أبرز وجوه الجريمة الإلكترونية المتصدرة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتصدرها الاحتيال الإلكتروني، ومن ثم استخدام البطاقات الائتمانية دون تصريح، وجرائم السب والتهديد والابتزاز.

إساءة بصور خاصة

«الرؤية» التقت ضحايا جرائم إلكترونية لم يستطيعوا بعد الإبلاغ عن المتهمين لإثبات إدانتهم، لغياب الدليل، كقصة «راما» الطبيبة التي وقعت ضحية جريمة ابتزاز دفعت ثمنها سمعتها ومستقبلها المهني.

وتقول راما في حديثها عن الواقعة «تعرفت إلى شاب عربي عبر منصة التواصل الاجتماعي إنستغرام، وأخبرني بأنه موجود في الإمارات، وحينها أنا كنت في وطني الأم، وبعد فترة من التواصل فيما بيننا توطدت العلاقة واتصلت أسرته بعائلتي للحديث عن ارتباط رسمي فيما بيننا، وأصبحنا نتبادل بعض الصور الخاصة، دون أن أعي خطورة الأمر، وفجأة ألغى جميع حساباته وأنشأ حساباً وهمياً وبدأ يرسل صوري إلى أصدقائي في مواقع التواصل ومقر عملي وإداراتي، ما أساء إلى سمعتي ولم يكن أمامي سوى الهرب من بلدي والحضور إلى الإمارات علّي أستطع مقاضاته، ولكن للأسف حين وصلت تبين أنه سافر إلى بلد عربي آخر، وعلى الرغم من أني قدمت نسخة عن المحادثات والصور، إلا أنني لم أستطع مقاضاته لضعف الدليل ولوجوده خارج الدولة.

تهديد بعد الطلاق

وفي قضية أخرى، تقول سيدة خليجية، فضّلت عدم ذكر اسمها، إن الشخص الذي أساء إليها وشوّه سمعتها هو زوجها، الذي تطلقت منه بعد 10 سنوات زواج.

وأضافت «كان زوجي يصر على التقاط صور حميمية لي بحجة رغبته في الاحتفاظ بها ليتذكرني أينما ذهب، وبعد الانفصال بدأ يرسل تلك الصور ومقاطع الفيديو من أرقام وهمية عبر واتساب لأشخاص آخرين وإرسال مقاطع لمواقع تواصل اجتماعي مختلفة تخص معارفي، واتهمني بأعمال لا أخلاقية لتشويه سمعتي، وبالفعل نجح في ذلك، ولم أتمكن من تسجيل دعوة بحقه لأنه اعتمد على أرقام تواصل خارجية لم نستطع من خلالها التوصل إلى البيانات المطلوبة، عدا عن الحسابات الوهمية التي محيت دون أن تخلّف أي أثر».

وتتابع «فكرت كثيراً في الانتحار كي لا أكون سبباً لفضيحة عائلتي، لا سيما بعد فقداني الأمل بأن أثبت للجميع حقيقة هذا الشخص».

قضية على سناب شات

جنى، هي فتاة في الصف الأول الثانوي، تعرضت أيضاً لجريمة ابتزاز على منصة التواصل الاجتماعي سناب شات من قبل شخص تمكن من اختراق حسابها وسرقة الصور.

وقالت «كنت أخزّن صوري الخاصة مع صديقاتي في الحساب الخاص بي، ولم أتوقع أن يتم اختراق تلك الصور ومن ثم البدء بنشرها على حسابي للعموم، الأمر الذي صدمني حقاً لأني من عائلة محافظة ولا يمكن أن أتحدث معهم عن الأمر، لذلك استعنت بأم أحد صديقاتي التي قدمت لي الدعم كل تلك الفترة وعندما حاولت أن أسجل شكوى لم أتمكن من الإمساك بأي دليل قد يوقع الجاني».

والأمر ذاته حدث مع سارة، وذكرت «تمكن شخص من اختراق حسابي على سناب شات وهددني بأنه سينشر كل الصور المخزنة إن لم أرسل له صوراً خاصة لي، وعلى الرغم من محاولتي معرفة الشخص أو الوصول إليه إلا أني لم أتمكن من ذلك».

موقع توظيف مزيف

وتعاملت نيابة دبي مع قضية بريطانية تعرضت للاحتيال عبر محتال أسس موقعاً لمستشفى افتراضي، ووضع إعلاناً لطلب كوادر طبية، وتقدمت البريطانية للعمل عبر هذا الموقع الذي راسلها بأنهم بحاجة لتوثيق أوراقها لدى محامٍ، وطلب مبالغ نقدية كرسوم إدارية لاستكمال الإجراءات، ليتبين لاحقاً أنها عملية احتيال، وهنا كان من الصعب إثبات الدليل لأن الموقع من خارج الدولة.

نصوص إجرائية

وأكد رجال قانون أن عملية الإدانة في الجريمة الإلكترونية تنبع من طبيعة الجريمة التي تحدد الإجراءات، إذ تختلف الجريمة الإلكترونية عن نظيرتها التقليدية بطبيعتها وطرق إثباتها وجمع الأدلة واتخاذ الضبطية القضائية في تتبع الجريمة.

وطالب رئيس نيابة أول في النيابة العامة بدبي المستشار الدكتور خالد الجنيبي بإيجاد نصوص في قانون الإجراءات الجزائية لإثبات الجريمة الإلكترونية، مشدداً على تضافر الجهود بين المؤسسات الخاصة والحكومية، ومنها على سبيل المثال تنظيم الاتصالات والتنمية الاقتصادية والصحة للحد من الجريمة الإلكترونية.

ولفت إلى أن الفرق بين الجريمة في مفهومها التقليدي والإلكتروني هي الأداة المستخدمة، مطالباً بإيجاد نصوص إجرائية تلزم الشركات المزودة بخدمات الاتصال ووسائل التواصل بقانون حماية للبيانات الشخصية على المستوى المحلي خصوصاً أن بيانات المستخدمين الشخصية تباع وتشترى.

وأفاد بأننا عند تقديم معاملة في بنك أو جهة ما نزودهم بمعلوماتنا وبعدها يردنا العديد من الاتصالات لعرض خدمات أخرى، وهنا التساؤل كيف وصلت معلوماتي الشخصية إلى هؤلاء، ما يستدعي ضرورة سَن القوانين كي تحميني من خطر تداول المعلومات الخاصة.

وقال الجنيبي «اليوم لا نتكلم عن جريمة تقليدية بسيطة يمكن ضبطها بالرجوع للشهود والكاميرات ومسرح الجريمة، بل جريمة معقدة نفذت عبر برنامج إلكتروني دون ترك دليل لضبط الجناة، خصوصاً أن مسرح الجريمة يتم مسحه في دقائق».

وكشف عن أن القضايا الإلكترونية التي ترد النيابة ليست بالقليلة بل تتجاوز العشرات يومياً، بعضها جنح بسيطة وأخرى تصل إلى جناية وتختلف العقوبات باختلاف الجريمة من الحبس إلى السجن من 3 سنوات إلى المؤبد والإعدام، ولكن يبقى الأساس هو إثبات الدليل.

وأكد «اليوم نتتبع خوادم قد تكون في دولة ثانية، وهنا تكون عملية تتبع الدليل صعبة للغاية ومعقدة خصوصاً لو كانت تابعة لشركات خاصة ترفض تزويدنا بأي معلومات من باب الحفاظ على الخصوصية للمستخدمين»، مشيراً إلى أن المتهمين في الجرائم الإلكترونية على إلمام بطبيعة الأجهزة التي يتعاملون معها وكيفية تطبيق الجريمة دون ترك أي دليل يثبت تورطهم.

وأضاف «هنا نؤكد أهمية تطوير القوانين مع تطور الجريمة الإلكترونية التي تتطور مع تقدم الأجهزة التي تتعامل معها وأن تصدر القوانين لسد الثغرات التي تواكب تطور الأجهزة».

جرائم معقدة

من جهته، شدد نائب مدير إدارة الأدلة الجنائية الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي النقيب عبدالله الشحي على تعديل قانون الإجراءات بما يتناسب مع الجريمة الإلكترونية، لافتاً إلى أن التطور والتقدم العلمي والتقني في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، أفرز أنماطاً مستحدثة من الجرائم المعقدة في طريقة ارتكابها ووسائل كشفها.

وأكد أن قانون الإجراءات يجب أن يتعدل جزائياً بما يتناسب مع الجريمة الإلكترونية التي تختلف عن الجريمة العادية، وأوضح «عندما أتوجه مثلاً للقبض على متهم في جريمة إلكترونية قد يتخلص من الدليل قبل استكمال إجراءاتي للقبض عليه، وهنا لا بد من تعديل قانون الإجراءات في استخراج الأدلة والحفاظ عليها، ويجب أن تعطى بعض الصلاحيات لمأمور الضبط القضائي فيما يخص المتهمين في التحقيق، وكذلك بالنسبة لأذونات النيابة ففي حالات التلبس لسنا بحاجة لأذن نيابة، وهنا يجب أن تضاف الجرائم الإلكترونية لسهولة إخفاء الدليل من قبل المتهم».

وتابع «يجب أن يساعد القانون مأمور الضبط القضائي والضحية بما يضمن الحقوق ونلزم مقدمي الخدمات «منصات التواصل الاجتماعي» بالتعاون أو أن يوقف ترخيصها لأن التساهل في القضايا البسيطة الآن قد يؤدي إلى تساهل في قضايا كبيرة مستقبلاً خصوصاً في ظل عدم التعاون الكامل في بعض القضايا بحجة حماية الخصوصية.

وبيّن أننا نوافق على شروط تلك المنصات وسياستها عند الاشتراك بها، ولكن تلك الإجراءات توافق الدولة التي يقع فيها المزود، ولكنها لا تناسب مجتمعنا، لافتاً إلى أهمية إيجاد حلول متوافقة مع القوانين وخلق آلية واضحة ومرنة مع تطور البرامج المستقبلي.

عبث بالدليل

بدوره، قال المدير العام لمعهد دبي القضائي القاضي الدكتور جمال السميطي «في جرائم تقنية المعلومات هناك صعوبات في إثبات الدليل الإلكتروني والعبث بالدليل لا يترك أثراً مادياً مثلما هو في الدليل العادي، وبالتالي يحتاج الأمر إلى صلاحيات لمأمور الضبط القضائي والمختصين تقنياً، ولذلك نص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (5/‏‏2012) على منح صفة الضبطية القضائية لبعض الموظفين ذوي المهارات من هذا النوع».

ولفت السميطي إلى أن جرائم تقنيات المعلومات إما منصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (5/‏‏2012) وهو القانون الأساسي لها أو منصوص عليها في قوانين أخرى كقانون التوقيع الإلكتروني وقانون مكافحة التمييز والكراهية، وهذه الجرائم جرّمت أفعالاً محددة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (5/‏‏2012) وترتكب باستخدام تقنيات المعلومات سواء كانت مواقع إلكترونية أو شبكات معلوماتية أو نظام معلوماتي.

وجاء في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (5/‏‏2012) نصاً احتياطياً يقرر أنه في حالة استخدام تقنيات المعلومات في جريمة لم ينص عليها في القانون واستخدمت فيها تقنية المعلومات فإن ذلك يعتبر ظرفاً مشدداً للجريمة، بمعنى أن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو في القوانين الخاصة الأخرى في حالة ارتكابها بإحدى وسائل تقنية المعلومات تشدد العقوبة، ويطبق نص المادة (103) من قانون العقوبات.

خصوصية العملاء

وذكر مدير إدارة الأدلة الجنائية الإلكترونية بالوكالة في شرطة دبي المقدم الدكتور أحمد جاسم المرزوقي أن إثبات الدليل يعتمد على الحالة، أي أن إثبات الدليل في البريد الإلكتروني يختلف عن إثباته في الموقع الإلكتروني، مؤكداً أن هناك صعوبات فعلاً ولكن بفضل إمكانات شرطة دبي والأجهزة المتوافرة يتم إثبات معظم الحالات.

وقال إن أبرز المصاعب للتوصل إلى الدليل هو عند تعامل العميل مع شركات كبيرة مزودة لمواقع التواصل وهذه الشركات تحافظ على خصوصية عملائها ولا تشارك البيانات بسهولة، ما يؤخر عملية إثبات الأدلة.

وأفاد المرزوقي بأن هناك شركات تستثمر أموالاً ضخمة في تطبيقات مجانية للعملاء بغرض جمع بياناتهم وبمجرد أن يحمل الشخص التطبيق يوافق على استخدام بياناته دون علمه، وهو السبب الرئيس لوجود معلوماتنا في أكثر من مكان لكثير من المستخدمين، وهنا يجب التأكيد على قراءة الشروط للاستخدام في كل تطبيق نحمله ونراجع سياسة الخصوصية.

وحول عدد القضايا الواردة في هذا الشأن، أكد أن إدارة الأدلة الجنائية تعاملت مع 3500 قضية في 2018، أما في العام الجاري فتم رصد زيادة 5% في القضايا الواردة.

وطالب المرزوقي بضرورة إشراك الشرطة في الأبحاث العالمية للشركات الكبرى عند طرح أي خدمات جديدة إلكترونية لصقل الخبرات والتوعية لحماية الحقوق، مؤكداً أن المعرفة التكنولوجية مفتاح الحل وسلاح الحماية، خصوصاً أن الجريمة الحديثة لا تحكمها جغرافية، وربما مستقبلاً سيتم توفير خدمات أسرع في هذا المجال لرصد البصمات الإلكترونية للمجرمين التي توثق لدى دخولهم لأي موقع إلكتروني أو هاتف أو واي فاي، وتسّهل القبض عليهم.